| 0 comments ]


تقديم :
يشكل المجال القروي بالمغرب كل الحيز الجغرافي الخارج على نطاق المدارات الحضرية، ويشكل العالم القروي إلى حد قريب المجال الاستيطاني للساكنة المغربية كما شكل الترجمة الفعلية الاجتماعية والمجالية للأنشطة الفلاحية.
يقطن بالعالم القروي بالمغرب اليوم حوالي 45% من الساكنة، هذه النسبة في تراجع مستمر لعدة عوامل منها :
-   تزايد حجم المدن وتوسعها من خلال توسيع المدارات الحضرية للمدن الكبرى والصغرى والمتوسطة بإضافة مجالات كانت إلى عهد قريب مجالات قروية صرفة.
-   ترقية بعض المراكز القروية إلى درجة مراكز حضرية خلال التقسيم الإداري الأجنبي.
-   الهجرة القروية وما تعرفه البادية المغربية من مشاكل تهم ;الفقر، البطالة، تراجع وتيرة النشاط الفلاحي بسبب التغيرات المناخية (الجفاف) ونقص في التجهيزات السوسيو اقتصادية.
كل هذه العوامل أصبحت تشكل عائقاً أمام تبني سياسة قروية تهدف إلى تنمية المجالات الريفية وتهدف بالأساس إلى الرفع من المستوى المعيشي للسكان وتأهيل المجالات القروية في إطار التنمية المستدامة.
الإشكالية المجالية بالعالم القروي بالمغرب :
يعاني العالم القروي من مجموعة من المشاكل المجالية منها :
-   احتدام الهجرة القروية إلى المراكز الحضرية. فقد لوحظ خلال الإحصاء العام للسكان و السكنى سنة 2004 أن هناك تراجعا كبيرا في نسبة الساكنة القروية في ظرف عشر سنوات من 49% إلى 45%. -تشير توقعات (FNUAP ) (صندوق الأمم المتحدة للسكان) إلى أنه خلال سنة 2025 ستكون الساكنة المغربية في حدود 39 مليون نسمة. سيكون نصيب القويين منها 14مليون نسمة.
-   قد احتدت الهجرة القروية بشكل كبير، وتشكل السبب الرئيسي في إفراغ البادية من سكانها نحو المراكز الحضرية. هذا الإفراغ هو جد حاد بالمناطق الشبه الصحراوية والمناطق الجبلية وهو نسبياً ضعيف بجبال الريف وبالسهول . ينضاف إلى هذا المشكل قدرة المراكز الحضرية على امتصاص هذه الكتل البشرية التي تصل إليها من القرى وهذا إشكال آخر طبعاً.
العالم القروي بالمغرب يعاني من احتدام الفقر :
تبعاً للإحصاء الذي قامت به وزارة الفلاحة خلال سنة 1996، تشكل الساكنة التي لها مدخول ضعيف 5,7 مليون نسمة أي حوالي 43% من الساكنة القروية. هذه الإحصائيات رغم قدمها إلا أنها تشكل أرضية لتحليل هذا الموضوع على اعتبار أنها كانت أكثر شمولية وهمت السكان القرويين، كما أنه منذ ذلك التاريخ لم تتغير الأمور كثيراً على مستوى البوادي المغربية.
ثلثي الساكنة الفقيرة بالبوادي تعيش في إطار استغلاليات صغرى micro- exploitation أقل من (3 هكتارات بالأراضي البورية و أقل من 1 هكتار بالمناطق المسقية) والثلث الباقي يعيش بدون استغلاليات.
هناك دراسات أخرى تشير إلى أن 70% من الفقراء بالمغرب يعيشون بالعالم القروي. و 30% من الساكنة القروية تنفق 3000 درهم سنوياً وهو ما يقارب إلى حد ما عتبة الفقر التي حددتها المنظمات الدولية، هذه الساكنة الفقيرة تعيش من خلال تعدد الأنشطة الموسمية بالعالم القروي أو بالمجالات الحضرية القريبة. معدل البطالة بالعالم القروي هو في حدود 5,4% مقابل 13,9% كمعدل وطني. لكن هذه المعطيات ليست معبرة على اعتبار أن البطالة المقنعة هي السائدة بالعالم القروي.
العالم القروي يعاني من ارتفاع نسبة الأمية:
إذا كان معدل الأميين أكثر من 10 سنوات بالمغرب هو حوالي 50% فإن هذه النسبة بالعالم القروي هي في حدود 70%، ومعدل تمدرس الفتيات بالعالم القروي هو 48% والأغلبية يغادرن المدرسة بسرعة ولا يتممن دراستهن .
جل المشاكل بالعالم القروي تعاني منها المرأة خاصة في مجال التزود بالماء الصالح للشرب و بأعواد الطهي والتدفئة، إضافة إلى غياب مستوصفات بجميع المناطق الريفية تتكفل بالنساء أثناء فترة الولادة.
هذا المشكل الأخير بحيلنا إلى غياب و قلة التجهيزات التحتية، حيث راكم العالم القروي تأخرا واضح بالمقارنة مع المجال الحضري في ميدان البنيات التحتية الاقتصادية والاجتماعية. فمجموعة من المؤشرات أظهرت أن الوضع جد خطير بالعالم القروي رغم مساهمة مجموعة من السياسات القطاعية للنهوض بالعالم القروي كالبرنامج الوطني لإنجاز الطرق القروية (PNCRR)، برنامج التزود بالماء الشروب (PAGER) ، برنامج الكهربة القروية (PERG) ، البرنامج السوسيو تربوي. إلا أن هذه البرامج طلب منها أن تحقق في فترة ما بين (1995-2010) مجهود مضاعف 6 إلى 7 مرات أكثر مما حقق خلال 40 سنة (1995-1956) .
بالرغم من ذلك فإن هذه البرامج حققت نسب نجاح مهمة تجاوزت في بعض المناطق 80%، بينما لا تزال تعاني في بعض المناطق الأخرى من بعض العراقيل، إلا أن العالم القروي يبقى ناقصا من ناحية التجهيزات الأساسية.
النشاط الأساسي بالعالم القروي هو النشاط الفلاحي:
-   يساهم النشاط الفلاحي بنسبة 16% (كمعدل) في الناتج الوطني الخام بتغيرات تتراوح ما بين (12% و24 %) حسب الظروف المناخية. يعيش حوالي 80% من الساكنة القروية داخل استغلاليات فلاحية .
-   تؤدي الظروف المناخية المتدبدبة سنوياً وجهويا إلى تدبدب في ضمان الأمن الغذائي (مما يضطر الدولة إلى صرف أموال باهضة في استيرادالمواد الغذائية، الحبوب مثلا) خلال سنوات الجفاف.
ينضاف إلى هذه المشاكل مشاكل متعلقة بتدهور الموارد الطبيعية واستنزافها ومن بينها :
  • استنزاف الموارد المائية الجوفية بسبب الاستغلال غير المعقلن في النشاط الفلاحي حالة سهل سوس ، مناطق الواحات المناطق الشرقية والمناطق الساحلية غير المجهزة بقنوات الري.
  • 70% من الأراضي الصالحة للزراعة تتعرض لتعرية كثيفة.المناطق الجبلية، مناطق الواحات والمناطق الهامشية (الحدود) تتعرض إلى مشاكل تصحر خطيرة.
  • الموارد المائية تتعرض لمشاكل وأشكال كثيرة من الملوثات (المياه العادمة الصناعية والمنزلية التي تقذف مباشرة في المجاري المائية السطحية).
  • الإفراط في استعمال المبيدات و الأسمدة في النشاط الفلاحي إضافة إلى مشكل المطارح العمومية المتواجدة على ضفاف الأودية والمجاري المائية .
  • الموارد الغابوية بدورها في تدهور بسبب القطع الجائر للأشجار. هذه الثروة التي تقدر بحوالي 91 مليون هكتار هي في تدهور بسبب قطع الأخشاب وبسبب عدم تجديد الغابات من خلال إعادة التشجير .
  • غياب الصناعات الغدائية عن العالم القروي،
  • جل الصناعات التحويلية والمقاولات التجارية هي مركزة بالقطب الاقتصادي الدار البيضاء .
مع كل هذه المشاكل و غيرها التي يتخبط فيها العالم القروي بالمغرب ، يطرح التساؤل: أي استراتيجية سياسة للتخطيط المجالي يكون هدفها هو التنمية المستدامة سوف توجه إلى العالم القروي ؟
П- الإستراتيجيات المتبعة لتنمية العالم القروي:
رغم كون الحكومة المغربية قد وضعت نصب أعينها المجال القروي كأولوية من الأولويات، إلا أن معالم سياسية تنموية للنهوض بهذا المجال لم تكتمل بعد.
بغية إبقاء الساكنة الأصلية في أماكنها بالقرى، وتقوية المراكز المتوسطة بالخدمات الأساسية وبالوحدات الصناعية والصناعات التحويلية، وفك العزلة عن العالم القروي، تمت بلورة استراتيجية 2020 من طرف وزارة الفلاحة والتنمية القروية خلال سنة (1999 ) وتهدف إلى :
-   تنمية الإنتاج الفلاحي
-   الرفع من فرص الشغل والمداخيل في النشاط الفلاحي
-   تنويع فرص الشغل في الأنشطة الموازية للفلاحة والأنشطة الريفية
-   الحد من تدهور الموارد الطبيعية
-   الرفع من المستوى التربوي والتكوين المهني
-   تحسين التجهيزات والخدمات لتحسين مستوى عيش السكان.
-   معالجة الإختلالات الجهوية
شكلت هذه الإستراتيجية نقطة تحول في السياسة المغربية اتجاه العالم القروي، حيث لأول مرة تم الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والبيئية في مواجهة مشاكل العالم القروي، فقد تم تبني بالموازاة مقاربات جديدة لتطبيق هذه الإستراتيجية على أرض الواقع. مقاربات مندمجة، متجددة الأبعاد ومقاربات تعتمد على المجال الترابي وإشراك السكان المحليين، وتطوير المقاربة التشاركية. نفس هذه المقاربة هي التي خرجت بها جل الإجراءات التي تم القيام بها على صعيد إعداد التراب الوطني انطلاقا من الحوار الوطني مروراً بإنجاز الميثاق الوطني لإعداد التراب ثم إنجاز المخطط الوطني.
اقترحت إستراتيجية التنمية 2020 التنسيق الأفقي للبرامج القطاعية، لكن نظرا لتعدد هذه البرامج فهذا لا يمكن أن يتم إلا بشكل تدريجي .. تقوم حاليا وزارة الفلاحة والتنمية القروية بمجموعة من البرامج على اعتبار أنها المسؤول الوحيد عن العالم القروي إلى حد قريب.
1) برامج التهيئة الهيدروفلاحية :
بالرغم من أن هناك تأخر كبير في تهيئة الأراضي الفلاحية بالسقي الكبير والمتوسط والصغير، فإن المرحلة الثانية من البرنامج الوطني تتوقع توسيع المدارات المسقية بالسقي الكبير بالغرب, اللوكوس ودكالة بالسقي المتوسط والصغير مع إعادة ترميم الأنظمة التقليدية. لكن توالي سنوات الجفاف وبروز الخصاص ببعض الأحواض، قلص من الرغبة في هذا الإنجاز.
2)- برامج الاستثمار الفلاحي بالمناطق البورية: هي برامج مندمجة تهدف إلى خلق مدارات الاستثمار الفلاحي من خلال التجهيز بالسقي وضع بنية تحتية وتجهيزات أساسية وأنشطة للتنمية الفلاحية ...إلخ. جاءت هذه البرامج لتطبق إستراتيجية الدولة في مجال تنمية المناطق البورية في إطار رؤية مندمجة، وجاءت طبقا للقانون وتنقسم إلى قسمين:
-   الجيل الأول من هذه المشاريع تمثل PMVB, التجربة الأولى وأظهرت مجموعة من المعيقات :
  • ذات الطابع القانوني
  • في مجال تنسيق السياسات القطاعية ،
  • قلة الموارد البشرية المؤهلة التي ستقود هذه المشاريع،
  • و مشاكل مرتبطة بالتصفية العقارية للأراضي.
  • الجيل الثاني هو PMVB-DRI-MVB: حاولت إصلاح الإختلالات الأولى من خلال مقاربة أكثر شمولية.
3) - البرنامج الغابويي الوطني :يهدف إلى الحد من تدهور المجال الغابوي وإدماج الغابة ضمن دينامية التنمية القروية
4) برامج تحسين المراعي تهدف إلى تحسين الغطاء النباتي والمحافظة على الموارد الرعوية.
5) برامج التجهيز القروي
6) البرامج السوسيو تربوية.
7) برامج تنويع الأنشطة الاقتصادية بالعالم القروي ،(السياحة القروية بالجبال)
8) البرامج الخاصة بالجبال، الواحات ومناطق الحدود.
يضاف إلى هذه البرامج : برنامج محاربة تعرية الأحواض المائية. غير أن التدخل في الريف المغربي لم يعد يقتصر على قطاع الفلاحة والمياه والغابات، بل أصبح لقطاع التعمير أيضا تدخل لضبط التخطيط العمراني والتحكم في البناء العشوائي والمحافظة على الأراضي الفلاحية من التوسع العمراني. وقد تم إحداث تصاميم التهيئة الجماعية التي أتت بدورها بنظرة شمولية لمعالجة قضايا الجماعة القروية، و يقدم توجهات عامة تهم التنمية : و من بين أهدافه اقتراح برنامج مشروع ذو أبعاد سوسيو اقتصادية وصناعية وسياحية من شأنه المساهمة في تنمية الجماعة القروية.
جاءت هذه التصاميم بعد بروز مشاكل كبيرة في المجال القروي منها ما هو مرتبط بالسكن، منها ما هو مرتبط بقلة التجهيزات والبنيات التحتية، ومنها ما هو مرتبط بالاستيطان في أماكن ذات حساسية بيئية. فبحكم العمل الميداني واللجوء إلى هذه المشاريع المندمجة في العالم القروي، و بدل الاقتصار على التنمية الفلاحية أعطي الانطباع بأن التدخل الأحادي الجانب قد خلق نتائج سلبية وراكم تأخرا كبيرا في مجال التجهيزات والبنيات التحتية بالعالم القروي. وأحسن مثال يمكن أخده هو نموذج جهة الغرب الشراردة بني حسن.
فجهة الغرب، ونتيجة للسياسات الأحادية التدخل المتوالية على العالم القروي، ظهرت مجموعة من الإختلالات المجالية والاجتماعية والبيئية بالجهة:
استفادت جهة الغرب من وضع تجهيزات هيدروفلاحية جد مهمة ساهمت في سقي 105.000 هكتار، بنسبة 50% من ما هو مبرمج. تم هذا الإنجاز في الفترة الممتدة ما بين 1970 و 1996 (الفترة التي كان فيها القطاع المسقي يشكل أولوية لدى الحكومة المغربية). هذه الوضعية أدت إلى مجموعة من الإختلالات منها:
-   إهمال المناطق الهامشية: المناطق الجنوبية الشرقية والشمالية الشرقية والتي تمثل مناطق مقدمة الريف، وهي مناطق بورية تعرف كثافة سكانية جد مهمة. تعرف هذه المناطق الآن مشاكل عديدة تتجلى في نقص حاد في التجهيزات الأساسية والبنيات التحتية
-   هي مناطق تنشط فيها الهجرة القروية
-   أدت السياسات المتبعة بالغرب إلى خلق مجموعة من الإشكاليات المجالية حتى داخل المدار المسقي من خلال تشتت السكن وصعوبة ربطه بالتجهيزات الأساسية.
-  خلق أيضا إشكالية في مجال توسع المدارات الحضرية نموذج سيدي سليمان ، سيدي قاسم - مشرع بلقصيري التي أصبحت تهدد المساحات الزراعية بفعل التوسع العمراني.
-   مشاكل متعلقة أيضا باستنزاف الموارد الطبيعية حالة المنطقة الساحلية التي تعرف الآن ضغطا حاداً على الفرشة المائية الباطنية.
-   عرفت جل المراكز الحضرية توسعا كبيرا بسبب التزايد الديمغرافي مما أدى إلى تزايد الطلب على الأراضي الحضرية على حساب الأراضي الزراعية.
-   أدى تطور الفلاحة إلى الاستعمال الكبير للتقنيات العصرية خاصة الأسمدة والمبيدات لتطوير الإنتاجية مما خلق مشاكل بيئية تتمثل في تسرب النيترات إلى المياه الجوفية القريبة من السطح.
-   أدت هذه السياسة إلى خلق تجمعات سكنية على شكل تعاونيات تم إنشاؤها في مناطق معرضة للفيضانات.
-   تفاوت وخلل بين الجهات، جهة مزدهرة فلاحية على هوامش المراكز الحضرية مما جعلها تستقطب أيدي عاملة من المناطق الهامشية الفقيرة مما خلق بضواحي المدن جيوب للفقر وللسكن العشوائي.



_علي خربوشي
 إطار بإعداد التراب والبيئة :
 جهة الغرب -الشراردة -بني حسن.

http://www.tanmia.ma/article.php3?id_article=2315&lang=fr

0 comments

إرسال تعليق