| 0 comments ]

تقديم:
يشكل القطاع الفلاحي موردا أساسيا للاقتصاد المغربي، ويمثل نشاط تربية الماشية الواسعةّ احد المكونات الرئيسية. ويعتمد هذا النشاط على الموارد النباتية الطبيعية اساسا. وينتشر عموما على مجالات سهبية واسعة تبقى ضعيفة المردودية وأخرى غابوية جيدة المردودية. لكن هذه المجالات الرعوية، اصبحت تعرف تدهورا وتراجعا مستمرا ومحسوسا وذلك تماشيا مع تزايد متطلبات الحمولة الديموغرافية.

 

ترجم هذا التدهور والتراجع الذي يطال المجالات الرعوية، تفقير للغطاء النباتي، ويهم هذا الانواع النباتية ذات القيمة الرعوية الجيدة، فقد تم تسجيل ان الساكنة تستمر في استغلال الغابة بالأساليب التقليدية، وتتجلى في الضغط الرعوي والاجتثاث  الإحتطاب لاغراض الطهي والتدفئة وجمع الاعشاب ذات القيمة الرعوية والطبية المفيدة...وهذه الممارسات تساهم بنصيب هام في تسريع وتيرة تدهور وتقلص المساحة الغابوية في المغرب.

وتعتمد مجموعة من الحيوانات في غذائها على أوراق الاشجار وبعض الأنواع العشبية أساسا فمثلا تفضل الابقار والأغنام اكل أغصان الأرز والبلوط الاخضر والحلفاءّ، وينضاف الى هذا قطع الأغصان والفروع والاشجار. وما يزيد الوضع تعقيدا هو أن كثافة القطيع تفوق من ثلاث الى اربع مرات قدرة تحمل المجال، وهي الممارسات التي تدمر الغابة.

توجد منظومات الأطلس المتوسط الايكولولوجية في وضعية تدهور مقلقة، نتيجة لتظافر مجموعة من العوامل اهمها الاستغلال غير الرشيد والعشوائي للموارد الغابوية، ويتضح ذلك من خلال الاجتثاث واحتطاب الخشب غير المراقب...وتكمن اهمية الغابة، بالنسبة للساكنة في انها المصدر الاولي لتوفير الكلأ الطيعي لماشيتهم، حيث تلبي 30 % من احتياجات قطعانهم من المادة النباتية الحية، وبذلك تعد مخزونا علفيا استراتيجيا، ابان سنوات القحط والجفاف، مما يجذب رعاة اخرين نازحين من المناطق المتضررة.

تكشف هذه الاعتبارات عن مظاهر متعددة، ارتبطت بصيرورة تدهور الغطاء الناتي واختلال النظم النشاط الرعوي، ولعل اهمها رص التربة، وتنشيط تعرية السفوح، وتقلص المجال الغابوي الامر الذي يحد من تجددها الذاتي، وهذا ما يحتم تدخلات فعلية لإيقاف مسلسل تدهور الغابة واختلال منظوماتها الايكولوجية.

وعليه، يجب ان تمر كل عمليات التدخل في حفظ وتدبير المنظومات الايكولوجية الغاوية بالضرورة من تحسين مستوى عيش السكان الريفيون ومربي الماشية. كما يتطلب الامر التحسيس اهمية المحافظة على استدامة الموارد الطبيعية. فتحديث اساليب الرعي وتثمين الموارد النباتية والحيوانية من شانه ان يرفع من دخل هؤلاء وبالتالي التحسين من ظروف عيشهم.

تتاطر إشكالية موضوع الرعي الواسع وتربية الماشية الموضعية (المكثفة)، بما تتميز به هذه الانماط المعيشية من تعقد تنظيماتها بالأطلس المتوسط، وبالرهانات التي تطرحها، اتجاه حماية الموارد الطبيعية. ويهدف تحليل هذا الموضوع، الى وضع اطار استراتيجي ممكن، لتنفيذ سياسة برغماتية، تقوم على اختيارات بديلة، ترتكز عليها تنمية محلية مستدامة، تأخذ في حسبانها منحى وتيرة تدهور الموارد الطبيعية غير القابلة للتجدد.

يقوم نمط عيش سكان جبال الاطلس المتوسط على نشاط اقتصادي يعتمد على الانتاج الاولي الرعي-زراعي-غابوي أساسا نظرا لما تتميز به المنطقة من وفرة وتنوع ضخم للكلا، وفق التدرج في الظروف المناخية. ومن بين اهم التشكيلات الغابوية، نجد اشجار الازر على ارتفاع يفوق 1500م. وتعرف المنطقة بهيمنة سلالة غنم تمحضيت والتي تربى بالعلف المكثف. وقد كيفت كيفت الساكنة الرعوية بالاطلس المتوسط نمط عيش قائم على اساس التناوب في استغلال الموارد الجبلية صيفا وغابة البلوط الاخضر شتاء وكذا ما يتيحع ازغار خريفا، ويتلائم عذا التنظيم مع قدرة تحمل كل من هذه المنظومات الايكولوجية بشكل موسمي. وتختلف اساليب تدبير المراعي ما بين الاستغلال القبلي الجماعي والفردي، بطريقة قائمة على التكامل بين هذه المنظومات لتشتيث الاخطار المناخية. ولتدليل صعوبات المجال، يستمر الرعاة في التنقل الفصلي والانتجاع ما بين الدير وازغار والغابة.

لكن، تتعرض المراعي الغابوية بالأطلس المتوسط لضغط رعوي يفوق طاقة تحملها، وما يزيد من وضعية الغابة تعقيدا الأخطار الطبيعية كامتداد فترة الجفاف أو تذبذب نوباتها.

يعد الاطلس المتوسط مجالا رعويا بامتياز، مع نزعة واجهة الغربية نحو التخصص الفلاحي الفلاحي المكثف؛ أي التحول إلى زراعة الورديات والأشجار المثمرة ثم تسمين المواشي، وهذا نوع من التكامل والاندماج بين الانشطة الفلاحية بالمنطقة وهو أيضا في نفس الوقت تثمين لهذه المنتجات. فإاذا كانت غابة الأطلس المتوسط تؤمن جزءا كبير من المادة العلفية الطبيعية فإنها لم تعد تشكل مجالا رعويا أساسيا.

إِنَّ نَتَائِج الضغط الكبير على الموارد الرعي-غابوية والرعي الجائر كانت وخيمة على الوضع الايكولوجي للغابة، فقد بدأت مظاهر الخلل تتضح جليا بفعل الاستغلال الكثيف للمادة النباتية الحية الامر الذي غير من بنية الغابة وتشكيلاتها النباتية من حيث:

 

-;- التركيبة النوعية للمراعي (اختفاء او تراجع عدة انواع نباتية).

-;- البنية العمودية (العلاقة بين التشكيلات الشجرية والتشكيلات العشبية) والأفقية (تجزء مجالي للتشكيلات المعشوشبة).

-;- الانتاجية الكمية للكتلة النباتية الحية.

-;- دينامية تجدد غطائها النباتي.

ومنه، يمكن اثارة ثلاث رهانات من خلال تحليل اشكالية استعمالات ومستعملي مراعي جال الاطلس المتوسط:

-;- رهان السلم الاجتماعي: بروز صراعات محلية بين المتدخلين في المجال الرعوي تهدد استقرار الوضع السياسي المحلي والجهوي.

-;- رهان اقتصادي: تتمثل في الرفع من دخل الساكنة الجبلية ومحاربة الفقر وفك العزلة...للاعتبارات التالية:

-;- تفقير الرعاة: وحدث هذا بفعل تدخل الدولة في تحويل الملك الغابوي الجماعي الى ملك عمومي وتفويته للخواص وبالتالي احتدام منافسة الرأسمال الأجنبي للاقتصاد الكفاف.

-;- انقاذ النشاط الرعوي من الاندثار باعتباره موردا اقتصاديا وموروثا تقنيا وايكولوجيا.

-;- تحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي (نظرا لعدم كفاية حاجيات الحيوانات من المادة العلفية الطبيعية وما ينجم عنها من اختلالات اقتصادية ترتبط بارتفاع تكاليف استيراد اعلاف خارجية تكميلية...)

-;- رهان بيئي: يتضح في توسيع رقعة زراعة الورديات على حساب الرقعة الغابوية الطبيعية، ويتسبب هذا السلوك الفلاحي الجديد الى تنشيط تعرية السفوح وبالتالي تسريع مسلسل التصحر مما يزيد من اختلال الوضعية الايكولوجية للمنطقة.

استنتاجات وخلاصات أساسية:

نميز في المعنيين بإشكالية تدهور المراعي بين قسمين:

أ‌) يعنى مربي الماشية وبنيات التنظيم الاجتماعي التقليدي مباشرة .

ب‌) وبشكل غير مباشر، يهم الامر الدولة التي تدخلت في هدم انماط العيش والتنظيمات الاجتماعية المحلية .

المعنيين بشكل مباشر هم كل الاشخاص المنعويين والماديين المستغلين للموارد الطبيعية في تربية الماشية، بأساليب واستراتيجيات تتماسس على الأعراف المحلية والتنقل المستمر لقطعان الماشية وفي الغالب ما يتقاسمون المراعي بدرجات متفاوتة مع مجموعات بشرية رعوية أخرى.

1-1) انعكاسات النشاط الرعوي على الموارد الرعوية:

تعتمد الحيوانات العاشبة على المادة النباتية ككلا أساسي في غذائها، وينتج عن هذا عدة ايجابيات بيئية، تتمثل في ازالة الاعشاب القصيرة التي تتسبب نشوب الحرائق، كما تساعد على تجدد الغطاء النباتي الطبيعي بشكلين:

-;- مباشرة: تقوم بتعديل وتغيير بنية وإنتاجية التشكيلات العشبية كما تساهم في تكاثرها.

-;- غير مباشر: تنافس قطعان الماشية مع الحيوانات العاشبة الأخرى ينتج عنه ازالة تامة للتشكيلات العشبية مما يتنجم عنه ضعف في تسرب المياه ومنه تنشيط تعرية السطح.

الآثار الناجمة عن النشاط الرعوي:

-;- الوقاية من الحرائق: تؤدي كثافة الاعشاب في غالب الاحيان الى اندلاع حرائق الغابات، لذا فالرعي يعفي الوقاية الدولة من مشقة وتكاليف التدخلات.

-;- المساهمة في تجدد نمو الغطاء النباتي: حيث يساعد تخمر وترطيب ثمار وحبوب النباتات في امعاء وفضلات الحيوانات العاشبة على تسهيل نمو النباتات.

-;- المساهمة في تنويع التركيبة النوعية للنباتات في المراعي وكذا تمكن من خلط الحبوب والثمار بالتربة عن طريق حوافرها مما يوفر للتشكيلات النباتية ظروف انبات ملائمة.

-;- تتسبب حركية قطعان الماشية في انتقاء بعض الانواع النباتية ورص التربة ثم كسر حبوب النباتات بحوافرها، الامر الذي يقلل من فرصة تجددها مرة اخرى...الشيء الذي سيسرع من مسلسل التعرية وتراجع الغطاء النباتي.

-;- توسيع البؤر المكشوفة من السفوح بفعل تنشيط التعرية، لكن تفاعل هذا النشاط مع العناصر المناخية والتربة يزيد من ثكاثر التشكيلات العشبية ذات الدورة الانباتية القصير المفضلة لدى الماشية. وعليه فغياب هذا "الوسيط" (الحيوانات العاشبة) قد يجعل تشكيل الغطاء النباتي خاضع للمتغيرات المناخية والترابية فقط.

يبدو ان للنشاط الرعوي انعكاسات تتباين بين الايجابي والسلبي، وذلك حسب نوعية الغطاء النباتي وتبعا لكثافة وبنية قطيع الماشية (ماعز، اغنام، ابقار...) وهو ما يجعل التوازنات الايكولوجية معقدة جدا وشديدة الحساسية والهشاشة.

تتباين تراقصات حركية قطعان الماشية بجبال الاطلس المتوسط مجاليا وزمنيا بشكل غير متجانس، تماشيا مع نوعية الكلا الطبيعي. كما تتحدد بالصراع السوسيواقتصادي القديم والموروث بين الرعاة حول الحقوق والحدود المجالية الرعوية التي تنتمي اليها كل مجموعة بشرية. وما يزيد تدبير المجالات الرعوية تعقيدا هو عدم توافق التقسيمات الادارية الجديدة مع الاقاليم القبلية الرعوية القديمة.

يقوم التدبير الجماعي للمجالات الرعوية على تنظيمات اجتماعية تحتكم الى الاعراف المحلية التي تقررها "اجماعة"، والتي تحترم عتبات توازن المنظومات الايكولوجية بما يضمن تجددها وهي كذلك تملك دراية معمقة بمؤهلات وإمكانات كل منظومة ايكولوجية كما تدرك اختلافات قدرة تحمل كل منظومة رعوية. وهذا جانب يفسر التنقل المستمر وفق الفصول بين المراعي.

وقد رصد في الاونة الاخيرة، توسيع لرقعة زراعة الورديات على حساب المراعي والغابة، وهو سلوك جديد، يعبر عن تحولات مجالية عميقة على نمط عيش والتنظيم الاجتماعي لسكان المنطقة.

1-2) المؤشرات الدالة على تزايد الضغط الرعي-زراعي:

أفضت مختلف الدراسات السوسيورعوية للمنظومات الايكولوجية بجبال الاطلس المتوسط إلى تسجيل مجموعة من المؤشرات الدالة على اختلال التوازن بين الانسان والمجال:

-;- الرعي المفرط وتكثيف استهلاك العلف الطبيعي.

-;- بتر وقطع التشكيلات الشجرية الأرزية والبلوط الاخضر واستعمالها كمادة علفية لقطعان الماشية، الامر الذي يضعف من وتيرة تجدد الغابة وبالتالي الحد من امكانية استدامتها مستقبلا.

-;- هدم التعاقدات العرفية بين الرعاة وانهيار الاقتصاد الرعوي والتنظيمات الاجتماعية واختلال مرتكزات التدبير الجماعي للمراعي، تحت تاثير عوامل خارجية اهمها تدخل الدولة وتطور الوسائل التقنية، فمثلا استعمال الشاحنات في نقل الماشية وخزانات المياه المتنقلة لتوريدها بدل الانتجاع.

-;- التخلي عن بعض التقاليد الرعوية كالمنيحة والصدقة والشرط...وتلاشي الاعراف والطقوس الرعوية.

 

ويسجل ضغط رعوي كبير على مراعي جال الاطلس المتوسط للاعتبارات المذكورة اعلاه بما يفوق قدرة تحمل كل مجال رعوي. وتتفاوت درجة الضغط في المجال والزمان تبعا لثقل حمولة القطيع وبنيته وكذا اختلاف المحاطات وحسب الظروف المناخية وإمكانية الولوج للموارد الرعوية.

يمكن استخلاص عدة نتائج، انطلاقا من تحليل الدراسات التي تمت حول منطقة "قارُّ" بخصوص المنظومات الايكولوجية الرعوية ما بين 1979-1978م) :

• تعرف كل مراعي المنطقة اختلالات رعوية تتميز بثقل الحمولة الرعوية التي تتجاوز غالبا امكانات وطاقة تحمل المراعي.

• تتعرض مراعي غابة الارز بجبال الاطلس المتوسط لدرجة ضغط استغلال مكثف.

يعرف النظام الرعوي تحولات عميقة (طفرة)

تعد مراعي جبال الأطلس المتوسط موضوعا خصبا لمعالجة العديد من المشاكل التي ارتبطت بالتحولات التي همت العادات والتقاليد الرعوية التي طالما تواورتها وتناقلها الرعاة اضافة إلى التحولات الديموغرافيا. وقد ترجمت هذه الطفرة في نمط العيش والتنظيمات الاجتماعية على هذا الشكل".

 

-;- تراجع وتقلص لأسلوب الانتجاع بالقطيع على مجال واسع، بل الاتجاه نحو الاختفاء والاندثار. فقد كان هذا الاسلوب في التنقل بين المراعي الشتوية والصيفية يتخذ من محور جنوب-شمال بين سهول سايس وملوية العليا مسارا ومرتعا عموديا لقطعان الماشية. لكن هذا الشكل، اصبح اليوم محدودا ومنحصرا داخل محاطات ضيقة، ونادرا ما يتم التنقل افقيا بين المحاطات؛ وراح يقتصر الانتجاع والرعي الواسع على قلة من الرعاة المتنقلين باستمرار مرغمين تحت وطأة قساوة الظروف المناخية اساسا (العيشوري، 1999 – الخمخامي، 1988).

 

-;- تفقير رعاة القبائل الجبلية الداخلية واضطرارهم للنزوح قسرا تحت وطأة الفقر والجفاف والقحط نحو المنطقة بهدف:

• العمل كرعاة.

• اقتناء الأراضي والتعاطي للزراعة .

• البحث عن الكلأ والماء ومنه التحول بسرعة كمستعملين للمراعي الجماعية والغابوية.

• الدخول في تعاقدات وشراكات مع ذوي الحقوق الرعوية.

 

ينتج عن هذه الدينامية المجالية، تفاعلات ايجابية، ابرزها محاولة ذوي الحقوق في المجال الرعوي رفض الاجانب النازحين بهدف حماية مواردهم. ويدل هذا على التدبير الجيد للمجال الرعوي.اما ادماج الرعاة الأجانب فيدخل في اطار التضامن السوسيواقتصادي بين المناطق الرعوية الفقيرة والغنية.

إن تدخل الدولة في تدبير المجالات الرعوية بتحويلها من الملك الجماعي إلى ملك عمومي، منذ 1917م ومسلسل تفويت الاراضي للأجانب اضافة الى تعارض التقسيمات الادارية مع الفخدات، قد ساهم في تفكيك المراعي الجماعية، وتم انتزاع حق الانتفاع الذي تملكته عبر التاريخ، الامر الذي هدم الاعراف المحلية القديمة التي كانت تنظم المجالات الرعوية داخل الفخدة وبين مختلف القبائل والفخدات وعليه انهار الاقتصاد الرعوي كما تحول نمط عيش السكان وتبعثرت التنظيمات الاجتماعية الجماعية وظهرت نزعة نحو الفردانية شيئا فشيئا. وزاد الانفجار الديموغرافي وتثاقل الحمولة الديموغرافية من تعقد الأوضاع السوسيواقتصادية والبيئية بجبال الأطلس المتوسط.


آثار النشاط الرعوي على المنظومة الغابوية بجبال الأطلس المتوسط المغربية ...

نور الدين الزيتوني

الحوار المتمدن- العدد : 4145 - 2013 / 7 / 6 :

 

0 comments

إرسال تعليق