أول مايخطر ببالنا عندما تمر أمامنا هذه الكلمة ،
هو مساحات من الأراض المتشققة أو أرضا صحراوية قاحلة ،
لينطبع في مخيلتنا أن التصحر ليس إلا عملية تحول للأراضي
المنتجة إلى أراض صحراوية مع مرور الزمن ..
أما الأرض الساحلية المجاورة للبحر مثلا فهي بالغنى وبعيدة جدا عن هذه الظاهرة وكذلك الأمر بالنسبة إلى المناطق المائية المجاورة للأنهار ، وكذلك الأراضي البعلية التي لايحرمها المزارع من المياه بل وعلى العكس فأحيانا يغدق عليها الماء بإفراط ... فهل كل تلك الأراضي بمنأى عن هذه الظاهرة ( التصحر ) ...!!؟.
تعتبر ظاهرة التصحر تسمية مرضية جديدة نسبيا حيث ظهر أول نص علمي يحمل هذه التسمية قبل حوالي 50 سنة فقط ! ، وأول خريطة للتصحر أنجزت من قبل الهيئات التابعة الأمم المتحدة كانت في 1977 حيث تزامن ذلك مع انعقاد مؤتمر التصحر التابع للأمم المتحدة في نيروبي في كينيا.
من المهم معرفة أنه بقي مصطلح التصحر لفترة غير قلية موضع نقاش من قبل هيئات الأمم المتحدة المعنية.غير أن احدث تعريف اقر في 1994 ضمن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر ينص :
" التصحر يعني تدهور الأرض في المناطق القاحلة و شبه القاحلة و في المناطق الجافة و شبه الرطبة الذي ينتج من عوامل مختلفة تشمل التغيرات المناخية و النشاطات البشرية. "
أو بعبارة أخرى :
" حدوث نقصان أو تدمير في المقدرة البيولوجية للأرض بما يمكن أن يؤدي إلى سيادة ظروف شبيهة بالظروف الصحراوية Desert - like في ظل تأثير مزدوج من تغير وتذبذب في الظروف المناخية مع حدوث نشاط بشري كثيف الأثر، وتكون النتيجة إصابة الأنظمة البيئية البرية بالتدهور كمًّا ونوعاً. "
وبناء على التعريف السابق فإن ظاهرة التصحر تطلق على حدوث عملية هدم أو تدمير للطاقة الحيوية للأرض ( التربة والنبات الطبيعي وموارد المياه ) و التي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى ظروف تشبه ظروف الصحراء وهو مظهر من التدهور الواسع للأنظمة البيئية الذي يؤدي إلى تقلص الطاقة الحيوية للأرض المتمثلة في الإنتاج النباتي والحيواني بما يؤثر سلبًا على صحة الحيوان والإنسان ويحرمهما من فرص الحياة للوجود البشري .ورغم أن تناقص الإنتاجية الزراعية ومن بعدها الحيوانية يعد مظهراً أساسيا للأراضي المتصحرة، فإن النتيجة قد لا تكون بالضرورة تحول الأرض إلى شكل الصحراء برمالها الصفراء وخلوها من النباتات، كما هو متخيل لدى غالبية الناس.
ورغم أن هناك الكثير من المراحل في عملية التصحر ،لكن مهما يكن شكلها ، فان المرحلة النهائية ستكون الصحراء التامة مع إنتاجية حيوية تصل إلى الصفر.
ويؤثر التصحر تأثيرًا مفجعًا على الحالة الاقتصادية للبلاد، حيث يؤدي إلى خسارة تصل إلى 40 بليون دولار سنويًّا في المحاصيل الزراعية وزيادة أسعارها ، وفي كل عام يفقد العالم حوالي691 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية نتيجة لعملية التصحر، بينما حوالي ثلث أراضي الكرة الأرضية معرضة للتصحر بصفة عامة.
من هنا يتبين إن التصحر أحد المشاكل البيئية الخطيرة،التي تواجه العالم حاليا و هو يتطور في اغلب أرجاء المعمورة وعند معدلات متسارعة. ويقدر بان مساحة الأراضي ، التي تخرج سنويا من نطاق الزراعة نتيجة عملية التصحر،تبلغ حوالي 50,000 كم2 وتبلغ نسبة الأراضي المعرضة للتصحر 40% من مساحة اليابسة و هي موطن اكثر من مليار إنسان .
واغلب المناطق المعرضة للتصحر تقع في الدول النامية في أفريقيا و آسيا و أمريكيا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، حيث يؤثر التصحر على القارة الإفريقية بشكل خاص، حيث تمتد الصحاري على طول شمال إفريقيا تقريبًا. كما أنها أصبحت تمتد جنوبًا، حيث إنها اقتربت من خط الاستواء بمقدار 60 كم عمَّا كانت عليه من 50 سنة . • يخلق التصحر جوًّا ملائمًا لتكثيف حرائق الغابات وإثارة الرياح، مما يزيد من الضغوط الواقعة على أكثر موارد الأرض أهمية ألا وهو الماء. وحسب تقرير الصندوق العالمي للطبيعة (World Wide Fund for Nature) فقدت الأرض حوالي 30% من مواردها الطبيعية ما بين عامي 1970م و1995م.
حالات التصحر :
تختلف حالات التصحر ودرجة خطورته من منطقة لأخرى تبعا لاختلاف نوعية العلاقة بين البيئية الطبيعية من ناحية وبين الإنسان ، وهناك أربع درجات أو فئات لحالات التصحر حسب تصنيف الأمم المتحدة للتصحر :
أ- تصحر خفيف :
وهو حدوث تلف أو تدمير طفيف جدا في الغطاء النباتي والتربة ولا يؤثر على القدرة البيولوجية للبيئة ، أوبحيث يمكن إهماله كما هو حال الصحراء الكبرى و صحراء شبه الجزيرة العربية .
ب- تصحر معتدل :
وهو تلف بدرجة متوسطة للغطاء النباتي وتكوين كثبان رملية صغيرة أو أخاديد صغيرة في التربة وكذلك تملح للتربة مما يقلل الإنتاج بنسبة
10-15 % ، وقد يصل إلى 25% كما هو الحال الموجود في مصر .
ج- تصحر شديد :
وهو انتشار الحشائش والشجيرات غير المرغوبة في المرعى على حساب الأنواع المرغوبة والمستحبة وكذلك بزيارة نشاط التعرية مما يؤثر على الغطاء النباتي وتقلل من الإنتاج بنسبة تصل إلى 50% ، كما هو حال الأراضي الواقعة في شرق و شمال غرب الدلتا في مصر .
د- تصحر شديد جدا :
وهو تكوين كثبان رملية كبيرة عارية ونشطة وتكوين العديد من الأخاديد والأودية وتملح التربة ويؤدى إلى تدهور التربة وهو الأخطر في أنواع التصحر ، وأمثلتها كثيرة كما في العراق و سوريا و الأردن و مصر و ليبيا وتونس والجزائر والمغرب والصومال .
للتصحر مؤشرات طبيعية و أخرى بشرية ورغم الاقتناع بأهمية الأخيرة وكونها وثيقة الصلة من قلب المشكلة إلا ان الدليل على وضعها كأساس للقياس لم يتوفر بعد بشكل نظامي وفي ضوء الكثير من الاعتبارات الأخرى ثبت انه من الصعب مراقبتها لذلك لم تستخدم كمؤشرات أولية في تقييم برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
لذا سنورد هنا أهم العوامل الطبيعية التي تتمثل في :
• غزو الكثبان الرملية للأراضي الزراعية .
• تدهور الأراضي الزراعية المعتمدة على الأمطار .
• تملح التربة .
• إزالة الغابات وتدمير النباتات الغابية .
• انخفاض كمية ونوعية المياه الجوفية والسطحية .
• تدهور المراعي ، فللنباتات والحيوانات دورها بتفاعلها مع بيئتها فهي تساهم بصورة رئيسية إما بالحفاظ على توازن البيئة أو بتدهورها ؛ فالإفراط الرعوي يؤدي إلى سرعة إزالة الغطاء النباتي وما ينتج عنه من اشتداد التعرية.
حيث يساهم الضغط الرعوي بخلق التصحر الذي يقصد به تحميل أراضي المراعي عددا من الماشية أو أنواعا معينة منها لا تتفق وطاقة هذه المراعي على تغذيتها .
والملاحظ أن تصحر الأراضي الرعوية لا يؤثر في الإنتاج الحيواني فقط لكنه يعجل بحدوث سلسة من الوقائع تؤثر في كل النظام البيئي، مثل قلة أو زوال الغطاء النباتي وما يصاحبه من تعرية التربة وزيادة خطر انجرافها ، وهذا غالبا ما يقود إلى انخفاض في الإنتاجية الأولية بشكل يتعذر معالجته ، ومن ثم يضعف من إمكانية البيئة على التعويض النباتي.كذلك فان الإفراط الرعوي يعمل على إحداث تبدل نباتي بواسطة إحلال أنواع غير مستساغة ، محل الأنواع المستساغة نتيجة الرعي المختار.
• انخفاض خصوبة الأراضي الزراعية .
• اشتداد نشاط التعرية المائية والهوائية ،التي يقصد بها إزالة الطبقة الخصبة منها الحاوية على المواد العضوية و المعدنية .
• زيادة ترسبات السدود والأنهار واشتداد الزوابع الترابية وزيادة كمية الغبار في الجو .
أما فيما يخص العوامل البشرية التي يؤكد الباحثون بانها تلعب دورا رئيسيا في خلق التصحر فيتمثل دور الإنسان في مجالين أساسيين :
المجال الأول : يتمثل بالضغط السكاني الذي ينتج عنه مزيد من التوسع الزراعي وزيادة أعداد الماشية، ومن ثمة زيادة الرعي وقطع الغابات والهجرة واستيطان أماكن غير ملائمة لاستغلال مواردها بشكل مستمر إضافة إلى توسع المدن وتضخمها الذي يكون في كثير من الحالات على حساب الأراضي الزراعية . كل هذه العوامل تساهم بتسريع التصحر.حيث ان نمو السكان والفقر والتدهور البيئي يعزز كل منهما الأخر.
المجال الثاني : يتمثل فهو نمط استخدام الأرض الذي تختلف نوعيته وكثافته من مكان إلى أخر ومن اوجه استخدام الأرض قطع الأشجار ، ففي المغرب يفقد حوالي 20,000 هكتار من الغابات سنويا لاستخدامها كخشب وقود إذ ان معدل استهلاك الأسرة من الخشب يقدر ب 2,61 طن في السنة. ان مثل هذه المستويات من استهلاك الكتلة العضوية يفوق الطاقة الإنتاجية للغابات وأعشاب الاستبس في المغرب ؛ لذا بات تدهور الغابات والنباتات الأخرى عاملا مهما في تدهور البيئة وتوجهها نحو الجفاف .
وهناك عامل أخر يتمثل بالضغط الزراعي الذي يقصد به تكثيف استخدام الأرض بالزراعة أو تحميل التربة اكثر من طاقتها الحيوية حيث يؤدي ذلك إلى حدوث تدهور في التوازن البيئي و إشاعة التصحر.
ولدينا مثال واضح من جنوب السودان عن نتائج الضغط الزراعي إذ يخصص 2-4 فدان من الأراضي لكل الأسرة من اسر اللاجئين إلى السودان من الدول الأفريقية المجاورة. وبما أن التربة تكون اقل خصوبة في الجنوب فان تخصيص هذه المساحة يعتبر غير كاف لإنتاج الطعام للأسرة الواحدة.لذلك يتبع الفلاحون أسلوب الزراعة الكثيفة لزيادة إنتاجهم ونتيجة لذلك تقل خصوبة التربة بصورة سريعة بعد أول سنتين من زراعتها.
كذلك يعد توسع الزراعة البعلية (المعتمدة على الأمطار)في مناطق تعاني أصلا من قلة الأمطار عامل مهم في صنع التصحر حيث يلاحظ الآن في العديد من المناطق العربية زراعة القمح فيها، بينما لا يسقط في هذه المناطق اكثر من 150-200 ملم من الأمطار سنويا.والأرض تترك بعد الحصاد لتكون عرضة للتعرية المائية والهوائية . كما في جنوب تونس حيث سجل خسارة غطاء التربة بمعدل 10 طن في الهكتار في الشهر .
أما أسباب التصحر في مناطق الزراعة المروية فتعود إلى سوء استغلال و إدارة الأراضي المروية والإسراف في ريها حيث يؤدي ذلك إلى تملح التربة وتغدقها وبالتالي يتدهور إنتاجها وتبرز هذه الظاهرة في التربة ذات التصريف السيئ أو عند الري بمياه ترتفع فيها نسبة الملوحة، وفي مصر فان حولي 30% من الأراضي الزراعية تعاني من التملح والتغدق نتيجة الإفراط في استخدام مياه الري.
وفي المناطق القريبة من البحار يقود الإفراط في استهلاك المياه الجوفية إلى تداخل مياه البحر للتعويض عن الماء المستهلك وبذلك ترتفع نسبة الملوحة تدريجيا في الآبار وفي حالة السقي منها يؤدي ذلك إلى تملح التربة كما هو ملاحظ في الكويت و الإمارات وليبيا. كذلك استخدام الحراثة الآلية غير المتكيفة مع الظروف البيئية في المناطق الجافة يعمل على الإخلال بالتوازن البيئي ومن ثم يسرع عملية التعرية كما في الأقطار العربية في شمال أفريقيا وفي شرق البحر المتوسط. إجمالا فان استمرار الضغط على الأراضي الزراعية و تحميلها اكثر من طاقتها يؤدي في نهاية المطاف إلى تدهور إنتاجيتها وتوسع التصحر.
منقول عن : مجلة ضاد للعلوم
0 comments
إرسال تعليق