تختلف الطرق التي يقيس بها الجيولوجيون الزمن عن كل
طرق قيس الزمن التي عرفها الإنسان على إمتداد تاريخه. فالأحداث التاريخية دونتها
البشرية وتناقلتها من جيل إلى جيل. ونحن معتادون على أنواع معينة من مقاييس الزمن
التاريخي. ونحن نتذكر من حين لآخر تواريخ محددة ذات أهمية خاصة في حياتنا. ويمكن
ترتيب هذه الأحداث على مقياس الزمن ترتيباً متسلسلاً من الأقدم إلى الأحدث, كما
يمكن تحديد أعمارها المطلقة مقدرة بالسنين.
ويشمل الزمن الجيوولجي الأحداث التي وقعت في فترة ما
قبل التاريخ بداية من نشأة الأرض, مروراً بكل الأحداث التي شكلت الأرض حتى اليوم,
مرتبة ترتيباً متسلسلاً حسب تاريخ وقوعها. وتقدر الأزمنة بملايين السنين من الآن,
ويعبر عنها إختصاراً بالرمز Ma . وقد سجل هذا الزمن
الجيولوجي في صخور القشرة الأرضية, حيث يشبه السجل الصخري صفحات وفصول الكتاب الذي
يحوي أسرار تكوين الأرض في الماضي.
وفي الحقيقة فإن مقياس الزمن الجيولوجي يشمل مقياسين
هما: المقياس النسبي والذي يعبر عن ترتيب الأحداث الجيولوجية كما حددت من خلال
وضعها في السجل الصخري. وتطلق على الفترات المختلفة من الزمن الجيولوجي مسميات
مميزة مثل: الكمبري والبرمي والطباشيري. أما المقياس الثاني فهو المقياس المطلق
والذي يقدر الأعمار بعدد السنين مقدرة بملايين السنين من الآن (Ma). وتبني
هذه الأعمال على التحلل الإشعاعي الطبيعي لعناصر كيمائية مختلفة, توجد بكميات
قليلة في معادن معينة في بعض الصخور ويمثل الإلمام بقواعد تقدير العمر النسبي
والمطلق حجر الزاوية في فهم تاريخ الأرض.
السجل الطبقي /الإستراتجرافي/
من بين أنواع الصخور الثلاثة (النارية والرسوبية
والمتحولة), والتي تكون القشرة الأرضية, فإن الصخور الرسوبية تمدنا بسجل أكثر
إكتمالاً لتاريخ الأرض. وعلى الرغم من أن الصخور النارية تمثل أكثر من 90% من حجم
القشرة الأرضية, فالصخور الرسوبية تمثل أكثر من 75% من الصخور المكشوفة على سطح
الأرض أو توجد في الكيلومترات القليلة القريبة من السطح. وتمثل الطباقية stratification أو bedding التي
توجد في الصخور الرسوبية أهمية خاصة في بناء تاريخ الأرض, حيث تسمح الطباقية بوضع
في بناء تاريخ الأرض, حيث تسمح الطبقاية بوضع ترتيب وتنظيم وتحديد للتتابعات
الطبقية
stratigraphic sequences .
ويعرف علم الطبقات (الإستراتجرافيا) stratigraphy بأنه
العلم الذي يدرس الصخور الطباقية أو الطبقات ومضاهاتها. وهو يدرس العلاقات
المكانية والزمنية بين أجسام الصخور وديناميكية ترسيبها, والتي يمكن ملاحظتها
وتفسيرها. وتنتج الطباقية من ترسيب وتجمع الحبيبات الصلبة, والتي تستقر على القاع
من الماء أو الهواء تحت تأثير الجاذبية الأرضية في هيئة طبقات beds متتالية
متعاقبة.
وتحدث عملية الترسيب بشكل دوري تعكس فترات ترسيب
يعقبها فترات سكون أو توقف للترسيب. وهذا النشاط الدوري في الترسيب هو المسئول
أساساً عن الأنسجة المختلفة التي تلاحظ في الطبقات المتتالية,وأيضاً في أسطح
الطباقية
bedding planes التي تفصل بينها. وتحدث عملية
الترسيب في أحواض ترسيب مختلفة الأحجام. وتتصلد الرواسب وتتصخر نتيجة للدفن تحت
طبقات لاحقة لها, مما يزيد من وضوح أسطح الطباقية والحدود بين الطبقات.
القواعد الأساسية لتحديد العمر النسبي
هناك عدة قواعد أساسية تستخدم لتفسير الأحداث
الجيولوجية في السجل الصخري, يمكن توضيحها فيما يلي:
قاعدة تعاقب الطبقات
قاعدة تعاقب الطبقات Principle of stratigraphic superpostion هي
إحدى القواعد الأساسية لعلم الطبقات, وتنص على أن كل طبقة في التتابع الرسوبي الذي
لم يتعرض لأية قوى تكتونية تكون أحدث عمراً مما تحتها وأقدم في العمر من الطبقة
التي تعلوها. ويعتبر تطبيق قاعدة التعاقب اطبقي هو الخطوة الأولى في تقدير العمر
النسي في الصخور الطباقية.
وحيث إن قاعدة التعاقب الطبقية تحتم عدم تعرض التتابع
الطبقي لتأثيرات تكتونية, فإنه من المهم أن نعرض لقاعدة أخرى من قواعد علم الطبقات
تعالج التاريخ النسبي في التتابعات المتأثرة بالعمليات التكتونية, وهو ما يعرف
بقاعدة الأفقية الأصلية.
قاعدة الأفقية الأصلية
قاعدة الأفقية الأصلية Principle of original horizontality وهي
تنص على أنه ليس فقط عملية الترسيب التي تحدث من أسفل لأعلى (وبالتالي تتجمع
الرواسب في طبقات متلاحقة), لكن أيضاً أسطح الترسيب, والتي تكون مستوية أساساً ولا
تميل إلا بدرجات قليلة عن الأفقي. ولهذا فإن الطبقات الرسوبية تكون أساساً أفقية,
لن الأسطح التي تتجمع فوقها الرواسب (والتي تفصل بين الرواسب من جهة والماء أو
الهواء من جهة أخرى) تكون أفقية أساساً, وتتجمع فوقها الحبيبات تحت تأثير
الجاذبية. وعلى الرغم من أن التطابق المتقاطع cross-bedding والذي سبق مناقشته أثناء
دراسة الصخور الرسوبية, يكون مائلاً, إلا أن التوجه الكلي لوحات التطبق المتقاطع
تكون أفقية. وعندما نشاهد تتابعات طبقية تميل على الأفقي بشكل واضح, فإن هذا يعزى
إلى أن أحدث مابعد الترسيب أدت إلى ميلها. فإذا مال تتابع طبقي أكثر من الوضع
الرأسي سمى التتابع الطبقي معكوس الوضع reversed ويكون وضع الطبقات
مقلوباً
overturned القوى التكتونية على إمالة وطي وتكسير
الطبقات الصخرية الموجودة في القشرة الأرضية.
ويحتم تحديد ترتيب الطبقات في التتابع الطبقي الرسوبي
أن نحدد بشكل دقيق سمات السطح العلوي والسفلي للطبقات. وتكون هذه السمات عبارة عن
تراكيب رسوبية أولية تتكون عند ترسيب الرواسب, وتوجد التراكيب الرسوبية على السطح
الخارجي للطبقات, كما قد توجد داخل الطبقات.
قاعدة الإستمرارية الجانبية الأصلية
قاعدة الإستمرارية الجانبية الأصلية Principle of
original lateral continuity تترسب الصخور الرسوبية
في أجسام ثلاثية الأبعاد, وتمتد أفقياً في كل الإتجاهات حتى تتلاشى عند حافة حوض
الترسيب الذي تترسب فيه, أو تتغير خواصها إلى نوع آخر من الرواسب.ويتحدد إمتداد
اتلطبقات أفقياً منخلال عملية المضاهاة correlation. فعندما تضاهي المنكشفات
المنفصلة للوحدة الصخرية نفسها بشكل صحيح, فإنها تدل على أن هذه المنكشفات عبارة
عن أجزاء مما كان وحدة واحدة متصلة في الأساس.
وتحمل الطبقات الرقيقة الواسعة الإنتشار التي لها صفات
خاصة مميزة أهمية زمنية, أي تعبر عن لحظة زمنية محددة يمكن إستخدامها كخطوط تعبر
عن التساوي الزمني عند إجراء المضاهاة. وتعتبر هذه الوحدات الفيزيائية المتماثلة
متزامنة جيولوجياً على إمتداد منطقة تواجدها, مثل طبقات الرماد البركاني والتي
تأخذ شكل الفريشة (الملاءة) blanket تترسب من التدفقات
البركانية. تقدم هذه الطبقات الدالة key or maker beds وسيلة مضمونة على
نطاق شبه إقليمي لإجراء المضاهاة.
قاعدة علاقات القطع المستعرض
قاعدة علاقات القطع المستعرض Principle of cross-cutting relationships من
المبادئ المهمة المستخدمة في تحديد العمر النسبي قاعدة علاقات القطع المستعرض.
ويدل مفهوم هذه القاعدة على أن أي شئ يقطع طبقة من الصخور الرسوبية أو أي نوع من
الصخور يكون أحدث عمراً من الطبقة الرسوبية أو من تلك الصخور, بمعنى أن القاطع
يكون أحدث عمراً من المقطوع, فأجسام الصخور النارية المتداخلة (مثل: القاطع dikes) والصدوع
تقطع الصخور والتراكيب السابقة عليها في التكوين, وبالتالي فهي أحدث عمراً منها.
قاعدة المكتفات (المتداخلات)
قاعدة المكتفات (المتداخلات) Principle of inclusions وهي
تنص على أن الفتات والحبيبات التي توجد في صخر تكون أقدم عمراً من الصخر نفسه.
فإذا إحتوت طبقة ما على فتات من طبقة أو جسم ناري مجاور كانت تلك الطبقة الأخيرة
أو الجسم الناري أقدم عمراً والعكس صحيح.
قاعدة التتابع الحفري
قاعدة التتابع الحفري Principle of fossil succession لعبت
قاعدة التتابع الحفري دوراً رئيسياً في تطور علم الجيولوجيا التاريخية, وهي تنص
على أن كل طبقة أو مجموعة من الطبقات في التتابعات الرسوبية تحتوي على حفريات
مميزة تختلف عما تحتها وما فوقها. وتمثل الحفريات fossils بقايا كائنات حية قديمة
أوآثارها, وهي تساعد كثيراً في تحديد العمر النسبي للصخور الرسوبية. وقد دعمت
قاعدة التتابع الحفري قاعدة التعاقب الطبقي كثيراً, لأن الحفريات ليست كالحبيبات
غير العضوية تتواجد عشوائياً, وإنما تتواجد بنظام محدد يمكن تتبعه. فأنواع الصخور
يمكن أن تتكرر كثيراً في التتباعات الطبقية الرأسية بتكرار ظروف الترسيب, بينما
تتغير المجموعات الحفرية بغطراد رأسياً ولا تتكرر أبداً بسبب نظام التطور الذي لا
يعيد الكائن المنقرض مرة ثانية. ويسمى هذا الترتيب الطبقي للحفريات بالتتباع
الحفري (تتابع المجموعة الحيوانية faunal succession).
بصمات المغناطيسية الأرضية القديمة
بصمات المغناطيسية الأرضية القديمة Palemoagetic
signatures من الإضافات المهمة التي حدثت في القرن
العشرين إلى علم الطبقات إكتشاف بصمات المغناطيسية الأرضية القديمة paleomagnetism في
الصخور. حيث يظهر في صخور التتابعات الطبقية تتابع من أحداث القطبية المغناطيسية
(أي إتجاه المجال المغناطيسي للأرض في وقت ما), من القطبية العادية normal polarity أي
مماثلة لإتجاه المجال المغناطيسي الحالي للأرض والقطبية المعكوسة reverses polarity أي
يكون إتجاه المجال المغناطيسي عكس إتجاه المجال الحالي, حيث يكون قطب الأرض
الشمالي متجهاً نحو الجنوب الحالي. ولقد تعرض المجال المغناطيسي للأرض للإنقلاب
كثراً طوال تاريخ الأرض الطويل, كما تغير موضع الأقطاب المغناطيسية كثيراً جداً
أيضاً بسبب حركة الكتل المتقاربة بالنسبة للأقطاب. وهذا يقدم وسائل أخرى لتقسيم
التتابعات الطبقية, كما يمكن به إجراء المضاهاة بين التتابعات الطبقية المتباعدة
أيضاً.
عدم التوافق
من الظواهر الطبقية المهمة التي تفيد كثيراً في تحديد
العمر النسبي والتاريخ الجيولوجي ما يعرف بعلاقة عدم التوافق unconformity. ويعرف عدم التوافق بأنه
سطح تعرية أو عدم ترسيب مدفون, وبالتالي فهو يعبر عن جزء مفقود من السجل الجيولوجي
نتيجة التعرية وعدم الترسيب. فعدم التوافق هو سطح بين طبقتين يفصل بينهما فاصل
زمني. ويمكن تعرف أربعة أنواع من عدم التوافق, هي:
عدم التوافق التبايني
عدم التوافق التبايني nonconformity وهو سطح طبقي يفصل بين
صخور متبلورة (نارية أو متحولة) أقدم عمراً وأخرى رسوبية أحدث عمراً.
عدم التوافق الزاوي
عدم التوافق الزاوي angular unconformity وهو سطح تعرية
يفصل بين مجموعتين من الطبقات مختلفتين في زاوية الميل.
عدم التوافق التخالفي
عدم التوافق التخالفي disconformity وهو نوع يصعب تعرفه, حيث
يوجد سطح تعرية متعرج الشكل بين طبقات متوازية, وفيه يقطع سطح عدم التوافق أسطح
الطباقية, ويكون الشاهد عليه وجود دليل على حدوث عملية تجوية مثل وجود فتات من
الصخور التي تليه في الصخور التي تعلوه, مثل صخر الكونجلومرات.
شبه التوافق
شبه التوافق paraconformity وهو أصعب أنواع عدم
التوافق, حيث يعتمد تعرفه على إختلاف عمر الطبقات التي تليه عن الطبقات التي
تعلوه,ويكون الشاهد عليه إختلاف المحتوى الحفري لكلا التتابعين أسفله وأعلاه.ويعبر
عن الفترة الزمنية المقابلة لعدم التوافق بثغرة ترسب (الثلمة) hiatus, وهي تساوي الفرق في
الزمن بين الصخور التي تقع فوق سطح عدم التوافق وتلك التي تقع تحته. وتجدر الإشارة
إلى أن سطح عدم التوافق يمثل غياباً لفترة زمنية طويلة جيولوجياً. أما إذا كانت
الفترة المفقودة من التتابع الطبقي قصيرة فإننا نشير إليها بالفصلة diastem. وفي
العادة فإن عدم التوافق يشير إلى فقد لفترات من السنين, بينما تعبر عن فقد لفترات
زمنية قصيرة نسبياً تصل إلى أسابيع أو شهوراً أو حتى قرون.
وتسمح القواعد الأساسية السابق ذكرها بتحديد العمر
النسبي بالنظر إلى مجموعة رأسية من الطبقات, أو إلى أي تتابع طبقي (استراتجرافي) stratigraphic
sequence على أنه سجل مرتب زمنياً للتاريخ
الجيولوجي لمنطقة ما. ويسمى الخط الزمني المقابل والمووضع على أساس هذا التتابع
بالزمن الجيولوجي
geologic time, وهو الممثل زمنياً لهذا التتابع, أي
كسجل جزئي كامل للوقت الذي إنقضى منذ ترسبت أقدم الطبقات في أسفل التتابع إلى أحدث
الطبقات في أعلى التتابع (يستخدم مصطلح الزمنالجيولوجي أيضاً للأشارة إلى الفترة
الزمنية الممتدة, منذ إنتهاء تكوين الأرض ككوكب منفصل حتى بداية التاريخ المكتوب).
وتختلف التتابعات الطبقية عن التتابعات الرسوبية فالتتابعات الرسوبية هي تغيرات
رأسية في التركيب الصخري للرواسب المتكونة في بيئة ترسيب واحدة. أما التتابع
الطبقي فهو أشمل في التعريف ويضم طبقات واسعة التغيير لكل منها أصل مختلف. وبينما
يتم التأكيد في التتابعات الرسوبية على طبيعة الأنواع المتتابعة من الرواسب فإن
التأكيد في التتابعات الطبقية (الإستراتجرافية) يكون على التتابع الزمني للطبقات
المكونة للتتابع وظروف الترسيب.
مضاهاة الوحدات الصخرية
تمكن المساح الإنجليزي وليام سميث William Smith عام
1793م من تعرف أن الحفريات يمكن إستخدامها لتحديد الأعمار النسبية للصخور
الرسوبية. وقد لاحظ من خلال دراسة العديد من الحفريات أن الطبقات المختلفة كانت
تحتوي على أنواع مختلفة من الحفريات,وأنه يمكن تمييز طبقة عن الأخرى بإستخدام
الحفريات المميزة لكل طبقة. ويسمى هذا الترتيب الإستراتجرافي للحفريات بالتتابع
الحفري
faunal succession .
وقد فتح هذا الإكتشاف الباب لعمل مضاهاة للطبقات الرسوبية
على مساحات أوسع. وتعني المضاهة correlation تحديد التماثل بين أجزاء
وحدة إستراتجرافية مفصولة جغرافياً. وتشمل الوحدات الإستراتجرافية طبقة أو مجموعة
من الطبقات تتميز ببعض الخصائص الفيزيائية أو الكيمائية أو الحيوية. ولقد قام سميث
في بادئ الأمر بمضاهاة الطبقات على أساس التشابه في الخواص الفيزيائية (التركيب
الصخري والمعدني), بالإضافة إلى محتواها الحفري وذلك على مسافات تبلغ عدة
كيلومترات, ثم بعد ذلك على مشافة عشرات الكيلومترات. ولقد أصبح من الممكن إستخدام
الحفريات وحدها في عمل مضاهاة بين تتابعات تفصل بينها مئات أو آلاف الكيلومترات.
ويشمل ما يعرف بقانون المضاهاة القواعد التي وضعها
سميث للمضاهاة بين التتابعات الطبقية وينص هذا القانون على أن :"الطبقات التي
لها نفس التركيب الصخري والمعدني والتي تحتوي على حفريات متشابهة تنتمي إلى نفس
العمر الجيولوجي".
ويتضمن عمل المضاهاة هدفين أساسين: الأول تحديد
الأعمار النسبية للوحدات المنكشفة بالنسبة لبعضها البعض في المنطقة التي يتم
دراستها, والثاني عمل مقارنة بين أعمار الوحدات بالنسبة إلى مقياس الزمن
الجيولوجي. وتتم مضاهاة الوحدات الصخرية بعدة طرق, وتشمل أنواع الصخور المتشابهة
والوضع في التتابع الطبقي والمحتوى الحفري.
وتستخدم مميزات الصخور مثل اللون وحجم الحبيبات
والتراكيب ارسوبية التي تسمح بتميز كل وحدة صخرية عن الأخرى عند عمل المضاهاة بين
الوحدات الصخرية, خاصة إذا كانت المنكشفات كافية. ومن الأهمية بمكان معرفة أن
عملية مضاهاة الصخور يقابلها الكثير من الصعوبات عند تطبيقها, لذلك يجب مراعاة
القواعد التي وضعها الجيولوجيون بعد سميث للتوصل لعمل مضاهاة دقيقة. فيجب عند
إستخدام قاعدة الإستمرارية الجانبية lateral continuity principle مراعاة
أن تلك الطريقة يمكن إستخدامها عند المضاهاة في حوض ترسيبي واحد, لأنه من المعروف
أن الطبقات الرسوبية تستدق وتنتهي عند حواف أحواض الترسيب, كما أنها قد تتدرج إلى
أنواع أخرى من الصخور نتيجة تغيرات السحنات. كما يجب مراعاة أن الإعتماد على
التشابه الصخري فقط بين الطبقات لا يكفي كما ذكرنا إلا في حالات خاصة جداً. كذلك
يجب مراعاة الوضع التركيبي للطبقات, حيث يمكن إستخدام وضع الطبقات بالنسبة إلى
تركيب تكتوني معين (مثل عدم التوافق مثلاً) مما يساعد على مضاهاة الطبقات. ولكن قد
تؤدي بعض الأوضاع التكتونية إلى تغير وضع الطبقات مما لا يسمح بتطبيق قاعدة تعاقب
الطبقات. فعند ملاحظة ميل الطبقات وإلتوائها مثلما يحدث أثناء التصادم القاري, فإن
الشتوه قد يكون كبيراً جداً لدرجة أن الطبقات الأقدم قد تأتي فوق الطبقات الأحدث.
وبالتالي فإن الإستنتاجات المبنية على الطبقات المقلوبة قد تؤدي قطعاً إلى نتائج
غير صحيحة عند تقدير الزمن النسبي للطبقات. ويمكن إستخدام بعض الأدلة مثل علامات
النيم والتطبق المتدرج والتطبق المتقاطع لتحديد ما إذا كانت الطبقات في الوضع
الصحيح أم إنها قلبت.
كما يمكن عمل المضاهاة بين الوحدات الصخرية عن طريق
الوضع في التتابع الطبقي والطبقة الدالة key bed مثل طبقات الفحم والرماد
البركاني. وتكون مثل هذه الطبقات مهمة عند عمل مضاهاة بين تتابعات صخرية, وخاصة
على نطاق إقليمي.
وتستخدم الحفريات للدلالة على زمن الوحدات الصخرية,
حيث تمثل تلك الحفريات بقايا لكائنات حية عاشت لفترة زمنية خلال الزمن الجيولوجي
الماضي.
وتسمى الحفرية التي تستخدم في تحديد عمر الطبقات التي
تحتويها, بالحفرية المرشدة (الدالة) index fossil. ولكي تكون الحفرية
مرشدة, فإنها يجب أن تكون شائعة في الطبقات ولها توزيع جغرافي واسع, ومدى زمني
محدود. ومن أحسن الأمثلة على الحفرية المرشدة الكائنات الحية الطافية والتي تتميز
بتطور سريع وإنتشار جغرافي واسع. وإذا تم تعريف حفرية دالة في منكشف ما, فإن عملية
المضاهاة بإستخدام التتابع الحفري fossil succession.
وبالإضافة إلى المضاهاة بين الوحدات الصخرية المنكشفة
فوق سطح الأرض, فإنه يمكن المضاهاة بين الوحدات الصخرية تحت السطحية عند البحث عن
المعادن والفحم والبترول بإستخدام تسجيلات الآبار well logs التي توضح الخصائص
الفيزيائية المقاسة للقطاع الصخري أثناء الحفر, والعينات الأسطوانية cross التي
يتم الحصول عليها من الآبار,وأيضاً شظايا الحفر cuttings التي تخرج إلى السطح
أثناء حفر الآبار.
وقد إستطاع الجيولوجيون خلال القرنين الماضيين
بإستخدام التتابعات الحفرية والتتابعات الإستراتجرافية أن يضاهوا المتكونات في
جميع أنحاء العالم ليخرجوا بنتيجة هذا الجهد, وهو مقياس الزمن الجيولوجي لكل الأرض.
العمر المطلق
لا يشتمل مقياس الزمن الجيولوجي لا يشتمل فقط على
مقياس نسبي ولكنه يشمل أيضاً مقياساً مطلقاً مقدراً بالسنين من الآن. ومتراكباً مع
القياس النسبي. وعلى الرغم من أنه مقدر بالسنين (عادة بالملايين Ma) من
الآن, إلا أنه ليس تقديراً دقيقاً بالمعنى الحقيقي, نظراً لوجود نسبة بسيطة من
الخطأ في الحسابات. فإن تقديراً مطلقاً مثل 4600 مليون سنة من الآن والممثل لعمر
الأرض, أو 245 مليون سنة من الآن والممثل للحد الفاصل بين حقبتي الحياة القديمة
والوسطى يعطينا تقديراً لدرجة القدم, كما يحدد المدى الزمني لتقسيمات العمود
الجيولوجي النسبية.
ويلاحظ أن مقياس الزمن النسبي قد بني تدريجياً حتى أخذ
شكله الحالي بنهاية القرن التاسع عشر. أما مقياس العمر المطلق, فقد تطور من خلال
علم الزمن الجيولوجي
Geochronology والذي أصبح حقيقة واقعة في العقود الأولى
منالقرن العشرين بعد إكتشاف ظاهرة نشاط الإشعاع الذري radioactivity وتطبيقاتها على المعادن.
وقد إستمر تطبيق كلا المقياسين حتى اليوم. ويعتبر المقياسان النسبي والمطلق من
الإنجازات المهمة في تاريخ العلم.
أسس التقدير الإشعاعي
يبني التقدير الإشعاعي على ظاهرة أن هناك كثيراً من
الذرات غير الثابتة, وبالتالي التغير بإستمرار إلى حالة أكثر ثباتاً وأقل طاقة.
ويترتب على عملية التغير هذه إضمحلال إشعاعي radioactive, يؤدي بدوره إلى إنبعاثات
إشعاعية
radioactive emissions. وتختلف الذرات عن يعضها
بعضاً, والتي تدعى نويات nuclides في عدد البروتونات
(جسيمات مشحونة بشحنة موجبة) والنيوترونات (جسيمات متعادلة الشحنة) الموجودة في
نواة الذرة.
ويعرف كل عنصر كيمائي في الجدول الدوري بعدد
البروتونات في النواة, وهو عدد ثابت ومميز لكل عنصر, والتي تمثل العدد الذري atomi number. فعلى
سبيل المثال, عنصر الهيليوم (He) وهو العنصر الثاني في
الجدول الدوري يحتوي على برتونين في نواته, بينما يحتوي عنصر اليورانيوم , والذي
يحمل رقم 92 في الجدول الدوري على 92 بروتوناً في نواته. أما مضافاً إليه عدد
النيوترونات الموجودة في نواة الذرة. أما المدارات حول النواة فتملأ بالإلكترونات
(جسيمات مشحونة بشحنة سالبة), والتي يساوي عددها عدد البروتونات الموجودة في نواة
الذرة وبالتالي فإن لكل نوية nuclide عدداً ذرياً مميزاً.
وكل عنصر كيمائي, الذي هو عبارة عن نوية لها عدد ذري
ثابت, يمكن أن يكون له أشكال مختلفة تدعى نظائر isotopes ,والتي تتمايز بناءً على
عدد النيوترونات الموجودة داخل نوياتها. وبالتالي فإن النظائر المختلفة للعنصر
نفسه يكون لكل نظير منها رقم كتلة مختلف. فاليورانيوم -235 ونظيره اليورانيون -238
يحتويان على عدد البروتونات نفسه, بينما يختلفان في عدد النيوترونات (وبالتالي له
رقما كتلة مختلفان). ويلعب هذان النظيران دوراً مهماً في تقدير العمر المطلق لبعض
أنواع الصخور النارية.
وكمعظم نظائر العناصر الكيمائية الموجودة في الأرض وهي
عناصر مستقرة وغير معرضة للتحول. ولكن هناك عدداً قليلاً من النظائر مثل C 14 تكون
مشعة بسبب عدم إستقرار النواة, حيث إن هناك حدوداً يمكن أن تتغير فيها أعداد
الكتلة للنظائر لأي عنصر. وتتغير نواة النظير المشع ذاتياً إما إلى نواة نظير أكثر
إستقراراً للعنصر الكيمائي نفسه وإما إلى نظير لعنصر كيمائي مختلف. وتختلف سرعة
التحول لكل نظير. وعلى الرغم من أن هذه العملية هي واحدة من التحولات - من نواة
غير ثابتة إلى نواة أخرى أكثر ثباتاً - إلا أنه أصبح من الشائع تسمية هذه العملية
بالإضمحلال الإشعاعي
radioactive decay كما سبق أن ذكرنا. ويسمى العنصر الذي
تضمحل نواته إشعاعياً بالأصل (ولود) parent, ويسمى الناتج من
الإضمحلال الإشعاعي بالوليد daughter ويضمحل C14 ويضمحل U 238 إلى Pb
206 , ويسمى كل من C 14 أصلاً (ولودا) و N 4 و pb 206 وليدا.
الإضمحلال الإشعاعي
إن عديداً من النظائر المشعة والتي كات موجودة يوماً
ما في الأرض قد إضمحل ولم يبق لها وجود الآن. ويرجع السبب في ذلك إلى أن معدلات
الإضمحلال الذاتي لهذه العناصر كانت سريعة. ومع ذلك فما زال يوجد حتى الآن القليل
من النظائر المشعة والتي تتحول ببطء. ولقد بينت الدراسة المعملية الدقيقة للنظائر
المشعة أن معدلات الإضمحلال لا تـأثر بأية تغيرات في البيئة الطبيعية أو
الكيمائية. ولذلك لا يتغير معدل الإضمحلال لنظير ما سواءً كان في الوشاح أو في
الصهارة أو في الصخر الرسوبي, وهذه نقطة مهمة توضح أن معدلات الإضمحلال الإضعاعي
لا تتأثر بأية عمليات جيولوجية.
ويترتب على اضمحلال الإشعاعي: (1) إنطلاق جسيمات ألفا
(إنطلاق بروتونين ونيوترونين من نواة الذرة), (2) إنطلاق جسيمات بيتا (إنطلاق
إلكترونبسرعة عالية من النواة), (3) كما قد تكتسب النواة إلكتروناً من خارجها.
ويترتب على الإضمحلال الإشعاعي بغنطلاق جسيمات ألفا أ، تفقد نواة العنصر الولود
بروتونين ونيوترونين, ويتكون نظير وليد جديد يقل عدد الكتلة فيه بمقدار 4, كما يقل
العدد الذري فيه بمقدار 2 عن النظير الولود. بينما في الإضمحلال الإشعاعي, فإن
إنطلاق جسيمات بيتا, يجعل النواة تطلق إلكتروناً ويتحول أحد النيوترونات فيها إلى
بروتون, وبالتالي تبقى كتلة النواة ثابتة, بينما يزيد العدد الذري بمقدار 1 ويتكون
نظير جديد. وفي حالة إكتساب إلكترون, يلتقط أحد بروتونات نواة العنصر إلكتروناً من
المدار الخارجي, ويتحول إلى نيوترون, مما يترتب عليه نقص العدد الذري بمقدار 1,
ويتكون نظير جديد, بينما تبقى الكتلة ثابتة.
معدل الإضمحلال الإشعاعي
تضمحل العناصر المشعة إلى نظائرها غير المشعة بإنطلاق
نواتج تحلل محددة. فمثلاً يتحلل عنصر اليورانيون - 238 إلى الرصاص -206 من خلال
تحلل ألفا و 7 خطوات تحلل بيتا, وبغض النظر عن أي تعقيدات, فإن القانون ألساسي في
الإضمحلال الإشعاعي ثابت, وهو "نسبة الذرات الأصل (الولودة) التي تضمحل
إشعاعياً أثناء كل وحدة زمنية هي دائماً النسبة نفسها". ومن المهم أن نعرف أن
معدل التحلل او الإضمحلال الإشعاعي rate of radioactive decay من
عنصر ولود لنظيره الوليد يكون بمعدل ثابت لا يتغير, يسمى ثابت التحلل. وكما هو
معروف في علم المعادن, فإذا دخلت نوية مشعة في تركيب معدن عند تبلوره, فإن كمية
النظير المشع (النواة الألص أو الولودة) والتي تتحلل إلى النظير غير المشع (النواة
الوليدة) مثل تحول اليورانيوم -238 إلى رصاص -206, هو معامل فقط في الفترة الزمنية
اللازمة للتحول. إلا أنه لدقة المعلومات, فإنه من المحتم أن تكون كل من النواتين
الولودة والوليدة محفوظة في بناء الشبكة البلورية للمعدن. وتعكس نسبة النويات
الولودة إلى النويات الوليدة في النظام البلوري المغلق طول الفترة الزمنية
المنقضية منذ بدأت الساعة الزمنية في الدوران.
ويتميز كل عنصر مشع بفترة زمنية تسمى عمر النصف half-life, وهي
الفترة الزمنية اللازمة لأن يتحول نصف عدد ذرات عنصر مشع ما إلى النظير غير المشع.
ويحدث التحلل الإشعاعي بمعدل هندسي: أي أن عدداً ما من نويات عنصر مشع معين (N0) يتبقى
نصف عددها مشعاً
(N/2) بعد مرور فترة عمر نصف واحدة, بينما نصف
هذا العدد, أي ربع العدد الأصلي (N/4) سيبقى مشعاً بعد مرور
فترة عمر نصف أخى, وبعد مرور فترة عمر نصف أخرى سيتبقى ثمن الكمية الأصلية (N/, وهكذا
إلى ما لا نهاية.
ويقدر عمر العينة الجيولوجية بالفترة الزمنية المنقضية
منذ تبلور الشبكة البلورية لمعدن الحاوي للذرات المشعة. ويكون العمر عند لحظة
البداية صفرا, وتكون نسبة ذرات النظير المشع لذرات النظير غير الشمع عندئذ تساوي
صفراً. وتقدر الفترة الزمنية منذ التبلور بقياس نسبة نويات النظير المشع إلى نويات
النظير غير المشع في المعدن. وبالطيع فإن عمر النصف للعنصر المشع يجب أن يكون
معلوماً ويضرب في نسبة نويات النظير المشع إلى نويات النظير غير المشع.
وعلى سبيل المثال, فإذا كانت نسبة اليورانيوم -238 إلى
الرصاص -206 في عينة ما تساوي 1:1, فهذا يعني أن نصف المادة الأصلية من اليورانيوم
قد تحللت إلى رصاص, أي مضت فترة عمر نصف واحدة, وحيث إن عمر النصف لليورانيوم -238
هو 4510 مليون سنةو فإن هذا سيكون عمر العينة.
سلاسل الإضمحلال الإشعاعي الرئيسية
قدر عمر النصف للنويات المشعة المختلفة بإستخدام أدوات
تحليل دقيقة في المعمل. ووجد أن عمر النصف لبعض العناصر يكون أقل من ثانية, بينما
يصل عمر بعضها إلى دقائق أو أيام أو سنوات, ويصل في بعضها الآخر إلى عشرات أو مئات
أو حتى آلاف الملايين من السنين, فسلسلة تحلل اليورانيوم -238 يتراوح عمر النصف
فيها بين 0.00016 ثانية و 4500 مليون سنة. ويحتاج تقدير عمر معظم الأحداث
الجيولوجية بإستخدام المواد المشعة إلى العناصر المشعة التي لها عمر نصف طويل.
ويعتبر عمر الصخور النارية والمتحولة هو عمر الإنصهار
حتى نقطة حرجة أساسية يطلق عليها درجة حرارة التثبيت blocking temperature , حيث
يصبح معدن معين نظاماً كيمائياً مغلقاً في سلسلة إضمحلال معينة. وتعطي الصخور
النارية أفضل النتائج, لأن صخور هذه المجموعة هي نواتج تبلور مصهور سيليكاتي,
ولهذا فهي صخور أولية. كما أن الصخور المتحولة يمكن أن تعطي أعماراً مطلقة أيضاً,
ولكن يكون العمر المقدر بهذه الطريقة هو عمر التحول, ولذلك فهي لا تعطي عمر الصخر
الأصلي غير المتحول. وتشمل عمليات التحول إعادة بلورة المعادن الموجودة وأيضاً
تكوين معادن جديدة, ولذلك فإنها تعيد ضبط ساعة الزمن على البداية الجديدة.
2 comments
شكرا
شكرا
إرسال تعليق